مفهوم نموذج العمل

كنقطة انطلاق, سنبدأ بتحليل مفهوم  المصطلح “نموذج العمل”.  فالعمل بصفة عامة معني بتكوين قيمة والحصول على عائد على تلك القيمة. وبما أن العمل يتأثر بديناميكية البيئة الخارجية المتسارعة والمتغيرة, إذن لا بد من اعتماد خيار استراتيجي واضح للتعامل مع تلك التحديات . أما النموذج فهو عبارة عن تمثيل مصغر للواقع  .

إذن عمليا, يمكن تعريف “نموذج العمل” :

على أنه  تمثيل للإستراتيجية التي تختارها المؤسسة  إضافة الى منهجيتها أو منطقها (التصميم المؤسسي, مع الأخذ بعين الاعتبار علاقاتها الخارجية) من أجل تكوين قيمة والإستفادة منها من خلال شبكة أصحاب المصلحة المستفيدين والمشاركين في تكوين القيمة. للحصول على عائد من تلك القيمة

والجدير بالذكر أنه عند تصميم نموذج العمل, وبعد حصر ومشاهدة كافة عناصر العمل في المؤسسة والربط بينها, فقد يتطلب الأمر إجراء تعديل أو تغيير في بعض أجزاء الخيارات الإستراتيجية بناء على ما يتضح من خلال تحليل أجزاء نموذج العمل. فمثلا, قد يتضح أن كفاءات وإمكانات المؤسسة تتيح لها التعامل مع أكثر من شريحة من العملاء, أو أن التوزيع المباشر للعملاء أفضل من التوزيع عبر مؤسسات اخرى, أو أن الإستعانة بمصادر خارجية للتسويق, الإعلان, أنظمة المعلومات أفضل للمؤسسة من تأسيس أقسام خاصة بها, الخ.  مما سبق فإن هذا التعريف يتضمن 4 اصطلاحات اساسية:

الإصطلاح الأول : منطق أو منهجية (التصميم المؤسسي)

يشير الى أن نموذج العمل المصمم بشكل جيد يساعد على أيجاد الإنسجام المتكامل بين كافة مكونات وأجزاء المؤسسة مع الخيارات الإستراتيجية.

الإصطلاح الثاني: الخيارات الإستراتيجية

يتم تصميم نموذج العمل وفق الخيارات الإستراتيجية التي تم اعتمادها

الإصطلاح الثالث: تكوين القيمة والإستفادة منها

يشير هذان الإصطلاحان الى وظيفتين أساسيتين على كل مؤسسة تنفيذهما من أجل بقائها في العمل واستمراريتها على مدى فترات ممتدة. اذن المؤسسات الناجحة بعمل على إيجاد أو تكوين قيمة مستدامة بطريقة تختلف عن منافسيها

قد تلجأ بعض المؤسسات (حسب طبيعة أنشطتها) الى تطوير كفاءاتها الأساسية, وقدراتها,, أو استخدام مزايا اخرى تختلف عن منافسيها (ولكن تصب في مصلحة عملائها, لأن الإختلاف هنا ليس لمجرد الإختلاف وإنما للحصول على ميزة تخدم أهداف المؤسسة). فمثلا قد تستخدم المؤسسة هذه الكفاءات الأساسية والقدرات لتنفيذ أنشطة العمل أو تحسين العمليات الأساسية بطريقة فريدة تميزها عن المنافسين

في النهاية, لا بد للمؤسسات أن تحصل على عائد مقابل هذه القيمة والجهود المبذولة في تكوينها, وذلك من أجل بقائها (أي المؤسسات) واستمراريتها. وبالتالي, فإن إمكانية المؤسسة على الإستمرار ترتبط ارتباط مباشر ووثيق على قدرتها بتكوين قيمة مستدامة والإستفادة منها.

الإصطلاح الرايع: أصحاب المصلحة المستفيدين والمشاركين في تكوين القيمة

إلا أن كلا من تكوين القيمة والإستفادة منها لايحدث في فراغ, فكلاهما, على حد سواء يحدث من خلال شبكة أصحاب المصلحة المستفيدين والمشاركين في تكوين القيمة, التي قد تشمل الموردين, الشركاء, قنوات التوزيع, والتحالفات, العملاء والتي بمجملها تشكل امتداد لموارد المؤسسة الخاصة. التي تمتد من الموارد الذاتية للشركة.

لذلك فإن طبيعة العلاقات مع هذه الشبكة من “الموارد” الخارجية تعتبر من الأمور الحساسة التي تؤثر على استمرارية المؤسسة

الخيارات الإستراتيجية

  • فرص الاعمال
  • نطاق العملاء المستهدفين
  • المنتجات – العروض –المنافع
  • المنافسين
  • العوامل الحرجة للصناعة
  • المهمة ( سبب الوجود )
  • التمايز  – العلامة التجارية
  • الايرادات / التسعير
  • الاستراتيجية
  • الوعد بالقيمة المضافة

تكوين القيمة

  • المورد البشري
  • الاجراءات
  • الانشطة
  • القدرات
  • الكفاءات
  • الهوية
  • التقييم
  • ثقافة المؤسسة
  • البنة التحتية
  • الادارة
  • الابتكار

المستفيدين والمشاركين في تكوين القيمة

  • الموردون
  • معلومات العملاء
  • علاقات العملاء
  • تدفق المنتج – واجهة العملاء

إستفادة المؤسسة من تكوين القيمة

  • التكلفة
  • الجوانب المالية
  • الربح
  • التدفقات النقدية

التطبيق الخاطئ لنماذج الأعمال

كا أشرنا سابقا, فإن نموذح العمل عبارة عن  تمثيل للإستراتيجية التي تختارها المؤسسة (الخيار الإستراتيجي) إضافة الى منهجيتها أو منطقها (التصميم المؤسسي, مع الأخذ بعين الإعتبار علاقاتها الخارجية) من أجل تكوين قيمة والإستفادة منها من خلال شبكة أصحاب المصلحة المستفيدين والمشاركين في تكوين القيمة. ولذلك, وحيث أن هنالك الكثير من الأمور التي قد تتخطى اهتمام الإدارة, والتي قد تسبب في إخفاق المؤسسة في تحقيق أهدافها, فإنه من المهم جدا أن يتسم “النموذج” بأكبر قدر من الشمولية بحيث يشمل كافة الجوانب والعوامل المؤثرة والمتأثرة بالخيارات الإستراتيجية التي اعتمدتها المؤسسة.

بالرغم من أن نماذج الأعمال تعتبر من أهم الأدوات الإستراتيجية وأكثرها دقة تقييم, تحليل, وإعادة ضبط أو تغيير بعض مكونات المؤسسة, إلا أن هنالك بعض من المشاكل التي تحدث عند التطبيق الخاطئ للنموذج والتي يمكن تتبعها من خلال المصطلحات التي وردت في تعريفنا للنموذج.

تصميم المؤسسة (منطق المؤسسة في القيام بأعمالها) بناء افتراضات خاطئة

قد يبدوا أحيانا ان المؤسسة قادرة على تكوين قيمة (منتجات, خدمات, مزايا, فوائد, حلول متكاملة, الخ) داخليا. إن هذا يشير أيجابا على قدرة المؤسسة على تكوين القيمة, ولكن النصف الآخر من المعادلة هو الأهم – وهو هل تستطيع المؤسسة الإستفادة من هذه القيمة؟ إن هذا يعتمد بشكل أساسي على افتراضات المؤسسة التي يتم بناء عليها اختيارها الإستراتيجي. فهنالك دائما حقائق تتسم بها بيئة العمل الخارجية, وعدم قراءة هذه الحقائق كما هي, أو التسرع بقراءتها, أو عدم الحصول على المعلومات الكافية والصحيحة التي تشير الى تلق الحقائق, قد يؤدي إلى قراءات خاطئة تكون بمثابة الإفتراضات التي يبنى عليها نموذج العمل !

التقيد باستراتيجيات مجزأة أو محدودة

من أهم ما يمكن أن يقدمه نموذج العمل للمؤسسة هو المرونه في اتخاذ أو تغيير الإستراتيجيات (طرق تحقيق الأهداف) بما يتلائم وقدرات المؤسسة  وإنسجام كافة مكوناتها من حيث القدرة على المساهمة في تقديم القيم كما يجب وكذلك التغيرات الخارجية. التمسك باستراتيجية ثابتة خارجة عن إطار قدرة المؤسسة على تحقيق أهدافها من حيث تقديم القيمة لعملائها على الوجه الصحيح, ينتج عادة عن المبالغة في تقدير أصحاب القرار التنفيذي لاحتمال نجاح الاستراتيجية في السوق.

فمثلا, قد تقوم بعض المؤسسات من أجل بناء قاعدة عملاء وإشهار علامتها التجارية, بالتركيز على الحصول أو الإستحواذ على العملاء كأحد أهدافها الإستراتيجية. وليس من المستغرب أن يؤدي هذا التحرك الى حدوث حروب أسعار, خصومات, ومزايا اخرى تقدم على حساب القيمة المستفادة للشركة ومن أجل حصولها على الحصة السوقية التي تصبوا إليها في نشاطها الإقتصادي, إلا أن المشكلة لا تمكن هنا. فبناء قاعدة كبيرة من العملاء, يحتاج الى جهود تسويقية ومالية كبيرة جدا قد تصل أو تتجاوز 50% من مصروفات المؤسسة, وأما الأمر الأهم, فهو بعد بناء هذه القاعدة من العملاء هل تمتلك المؤسسة ما يلبي حاجات هذه القاعدة الكبيرة بنفس مستوى السرعة, الخدمة, الجودة, أو بمعنى آخر هل أخذت “عملية تلبية احتياج العملاء” بعين الإعتبار قبل البدء باتخاذ “الجانب التسويقي من استراتيجيتها؟

ففي هذا المثال, تم التركيز على أحد عناصر “نموذج العمل” الرئيسة, وهو الإستحواذ على شريحة كبيرة من العملاء بمعزل عن العناصر الأخرى. إن اتخاذ القرارات الإستراتيجية بطريقة مجزأة خصوصا في بيئة متقلبة, ووضع أهداف مرحلية دون التأكد مما يجب القيام به عند تحقيق هذه الأهداف, قد يضح المؤسسة بأكملها في دائرة الخطر.

إن نموذج العمل المصمم بطريقة جيدة يوفر أداة قوية لتفادي مثل هذه المشاكل وذلك لسببين رئيسين:

  • أولا: النموذج يعتبر انعكاس للخيارات الاستراتيجية التي يتم اعتمادها – ولهذل فهو يسلط الضوء على الحاجة إلى النظر بشكل شمولي على مجموعة القرارات الاستراتيجية
  • ثانيا: نموذج العمل يتطلب من الإدارة العليا النظر في في انسجام وتوافق القرارات الاستراتيجية بطريقة جماعية

الخلط حول تكوين القيمة والإستفادة منها

يميل العديد من المدراء التنفيذيين إلى التركيز كثيرا على جزئية “تكوين القيمة” الى درجة يتم فيها تجاهل نسبي للإستفادة من القيمة.  في هذه الحالات, فإن المؤسسات لا تكون قادرة على الحصول على العوائد الاقتصادية بما يتناسب مع القيمة التي تكونها.

فمثلا, قد تهتم المؤسسة وتكرس جل جهودها على الأنشطة الداخلية التي تعنى “بتكوين القيمة”, بما في ذلك التخطيط, توفير الموارد, الإنتاج, الجودة, التصميم المؤسسي, الخ, و لاتعطي الجانب الآخر من المعادلة وهو “الإستفادة من القيمة” ما تستحق من جهود. إن هذا الخطأ الفادح يحصل عادة عندما يحدث خلط لدى المدراء التنفيذيين بين القيمة الحقيقية والقيمة المحتملة. القيمة الحقيقية هي القيمة الفعلية التي يدفعها العملاء للمؤسسة, ولذلك فهي تعتمد على عدد ونوعية عملاء المؤسسة, الأمر الذي يتطلب معرفة ما الذي يريد أن يدفع مقابله العملاء. أما القيمة المحتملة فهي قيمة افتراضية قد تتجلي في الكثير من العروض المجانية, البيع بأقل من التكلفة, الخ على أمل الحصول على عائد مستقبلي جراء هذه الأنشطة.

افتراضات خاطئة حول  أصحاب المصلحة المستفيدين والمشاركين في تكوين القيمة

أحيانا قد يفترض المدراء التنفيذيين أن “شبكة تكوين القيمة” الحالية سوف لا تتغير في المستقبل, وبالتالي سوف لا يكون لديهم أي سيناريوهات محتملة لتخاذها أو تفعيلها حال وجود تغيير حقيقي. فعلى سبال المثيل, لو تغير الوضع الإقتصادي, سلبا أو إيجابا, سيؤدي ذلك إلى تغيير في القدرة الشرائية, وبالتالي, وفقا للمنتج المقدم, قد يؤدي الى تغيير في الشريحة المستهدفة. كذلك لو ظهرت أنماط منافسة جديدة من حيث الكم أو النوع, أو عندما يتضح أن اوصول غلى العميل المستهدف عن طريق طرف ثالث أكثر فعالية الوصول إليه مباشرة, الخ.

خلاصة القول

إن بقاء ونمو جميع الموسسات, خصوصا الربحية منها, مرتبط مباشرة بقدرتها على تكوين قيمة والإستفادة منها, لذلك فإن نماذج الأعمال الناجحة تضع هذين العنصرين على وجه التحديد على سلم الأولوية. وبطبيعة الحال, فإن مناطق القرارات الإستاراتيجية التي تواجهها المؤسسات تختلف استنادا إلى عوامل عديدة مثل عمر المؤسسة, النشاط الإقتصادي, نوع العملاء, اللوائح الحكومية, المنافسة, التغيرات الغير متوقعة, الخ, وبما أن مثل هذه المناطق المؤثرة في إتخاذ القرارات الإستراتيجية متغيرة بوتيرة مختلفة, وهذا يؤكد إلى أن نموذج العمل يجب ألا ينظر الى على أنه عملية واحدة تكتمل عند تصميمه, وإنما عملية مستمرة ومتكررة.

وهو وسيلة قوية للمديرين التنفيذيين لتحليل خياراتهم الاستراتيجية وتعميمها على المعنيين داخل المؤسسة وخارجها. وعلى الرغم من أن هناك بعض فرص النجاح أمام المؤسسات التي تتسم نماذج أعمالها بالضعف والعشوائية في التصميم, إلا أن احتمالية هذه الفرص عادة ما تكون ضئيلة جدا وخصوصا مع تسارع الاحداث والتطورات في البيئة الخارجية التي فيها يتحقق النجاح من خلال الوصول لقرار الشراء من العملاء المستهدفيين.

بقلم المستشار : سمير محمد باعامر  – خبير تحسين الاداء المؤسسي – رئيس شركة عيادات الاداء