مقدمة

في عالم أصبحت فيه المنافسة سيدة الموقف, وأصبح البقاء لمن يستطيع شق طريقه وسط موجات التغيير المتلاحقة وتزاحم المستجدات العالمية, لا يوجد أمام المؤسسات, صغيرها وكبيرها وبكافة أشكالها, إلا أن تخطط لمستقبلها وتكون على درجة عالية من الجاهزية والاستعداد لظروف غير مرئية وكثيرا ما يصعب التنبؤ بها.

إن التغيير شبه الجذري الذي شهده العالم خلال العقدين الماضيين, جعل من العوامل والمهارات التي كانت سببا في نجاح المؤسسات غير كافية وغير مضمونة لتحقيق النجاح في وقتنا الحاضر. فقد كانت العلوم الإدارية, ولا زالت, هي المفتاح الحقيقي لتقدم وتطور الإعمال, والمرجعية الأساسية التي تزود المؤسسات بالحلول التي هي بحاجة إليها لمعالجة أوضاعها, إلا أنه بخلاف الكثير من العلوم الأخرى التي تتسم بالثبات, فإن الثابت الوحيد في العلوم الإدارية هو التغيير المستمر. ولعل من أهم أسباب ذلك أن هذه العلوم تتأثر مباشرة بالمتغيرات والمستجدات التي تطرأ على البيئة. فالتغيرات التكنولوجية, الاقتصادية, الاجتماعية, السياسية, وغيرها, جعلت من العلوم الإدارية حقلا صعبا, وأحيانا معقدا, عليه التكيف مع كافة هذه المستجدات.

في ظل هذا الوضع الذي يزداد تعقيدا يوميا بعد يوم, يمكننا التساؤل:

ما الذي يمكن أن تفعله الإدارة للتأكد من أن المؤسسة تسير دائما في المسار الصحيح الذي تفرضه البيئة المتغيرة وما يصاحبها من أوضاع وظروف كثيرا ما تتسم بالضبابية وعدم القدرة على التنبؤ, والتي بمجملها خارجة عن نطاق تحكمها المؤسسات؟

إن الاعتقاد السائد بأن الإدارة الإستراتيجية هي من امتيازات الشركات الكبيرة، لم يعد صالحا في عالم أعمال اليوم. فالاتجاهات العالمية global trends التي تشكلت نتيجة التزايد المضطرد لآثار العولمة globalization والتقدم التكنولوجي technology advancement, والتي حصيلتها ما نشهده اليوم من منافسة شرسة، لا تفرق بين مؤسسة صغيرة ومؤسسة كبيرة, فالكل يسعى وراء العميل. فالمؤسسات الكبيرة الناجحة، والتي تتبنى النهج الإستراتيجي في إدارتها، بطبيعة الحال, تمتلك من الخبرات والموارد والإمكانات وأخيرا تشريعات منظمة التجارة العالمية ما يمكنها ويسمح لها بالتواجد والمنافسة في أي مكان. وهذه الحقيقة يجب أن تكون بمثابة دافعا ملحا على ضرورة تبني المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للنهج الإستراتيجي في الإدارة, الأمر الذي يخفف عنها تأثير القوى الخارجية وتهديد الشركات الكبيرة ويمكنها من الاستمرارية والمنافسة.

الادارة الاستراتيجية

ما هي الإدارة الإستراتيجية؟  

إن الإدارة الإستراتيجية, كاصطلاح, استخدم منذ سبعينيات القرن الماضي, حيث أشار إلى جهود المخططين الإستراتيجيين من الموظفين والتي نتج عنها “برامج إستراتيجية” تم تسويقها لأصحاب القرار في المؤسسات لاعتمادها. أما الآن فقد تغير المفهوم من كونه “نشاطات يقوم بها الموظفين المناطة بهم مهام التخطيط” إلى عملية إدارية شاملة تتبناها الإدارة العليا حيث تبادر برسم التوجه الإستراتيجي للمؤسسة. من الواضح أن جل الإدارة الإستراتيجية “سابقا” كان ينطوي على التخطيط الإستراتيجي, إلى درجة أن الاصطلاحين كثيرا ما كانا يستخدمان للإشارة إلى نفس الجهود.

ومع أن مفهوم التخطيط الإستراتيجي قد اختلف من كونه “عملية ملقاة على عاتق الموظفين للمبادرة بتقديم أفكار وبرامج إستراتيجية من أجل أن تتبناها الإدارة “إلى” العملية التي تقودها الإدارة العليا والتي يتم من خلالها تصور مستقبل المؤسسة, وعليه تقوم بتوفير وتطوير العمليات processes والإجراءات procedures والموارد resources الكفيلة للوصول إلى ذالك المستقبل؟, إلا أن هذا المفهوم, وبالرغم من أنه مقدمة أساسية للإدارة الإستراتيجية, لا يعتبر كافيا لنجاح عملية التخطيط الإستراتيجي والوصول بالمؤسسة إلى المستقبل المنشود, ما لم يتبعه تفعيل deployment للخطة الإستراتيجية الناتجة عن عملية التخطيط وتطبيقها implementation وتقييمها evaluation لقياس تقدمها وفعاليتها في تحقيق أهدافها, وهذا ما تندرج عليه عملية “الإدارة الإستراتيجية”.

 لذلك يمكن التعبير عن الإدارة الإستراتيجية بالآتي:

( هي العملية التي يتم من خلالها تحديد وإجراء التغييرات المطلوبة وقياس أداء المؤسسة في طريقها نحو تحقيق الوضع المستقبلي “رؤيتها” الذي تصبو إليه )

وبهذا, فإن الإدارة الإستراتيجية تربط بين التخطيط الإستراتيجي وما يرافقه من قرارات وبين الإدارة التشغيلية operation management التي تهتم بنشاطات وإجراءات الأعمال والنشاطات اليومية. الأمر الذي يتطلب تكامل integration وتنسيق coordination وانسجام alignment بين كافة الموارد والوظائف والجهود المؤسسية الداخلية من أجل تنفيذ استراتيجيات المؤسسة, وبالتالي الحصول على ميزة تنافسية competitive advantage تمكن المؤسسة من شق طريقها وسط كافة التحديات, والتي من أبرزها المنافسة,  من أجل تحقيق رؤيتها.