مع ما يشهده عالم الأعمال من تلاشي للحواجز الجغرافية, كأحد نتائج ظاهرة العولمة الآخذه في الإتساع والمتزايدة في التأثير, فإن أحد أهم حقائق أسواق اليوم هي أن العميل دائما يتوقع أكثر, يتمتع بخيارات أكبر, وأن ولائه التقليدي تجاه ماركات معينة, أو حتى أسواق معينة, في تضاؤل مستمر. فعمالقة شركات الأمس التي وصفت بأنها لا تقهر مثل GM, IBM, AT&T وغيرها, كان عليها إتخاذ كافة التدابير اللازمة, مثل إعادة الهيكلة restructuring, إعادة بناء عمليات التشغيل reengineering, تعديل نماذج العمل business model, الخ, استجابة لمتطلبات عملائهم المتغيرة changing customer needs والقوى التنافسية العالمية الجديدة emerging global competitive forces إضافة الى الحقائق الإقتصادية الراهنة economic realities. بالإضافة الى ذلك, فإنه لا يوجد ما يضمن بقاء قادة أسواق اليوم مثل Microsoft وغيرها بالهيمنة لعقد قادم, إلا إذا صنفت “من وجهة نظر العميل” على أنها الأفضل.
العوامل الحرجة للنجاح
الحقائق الإقتصادية الجديدة, المدعمة بعدد كبير ومتزايد من الدراسات والأبحاث, تشير الى أن أهم العوامل الحرجة للنجاح critical success factors هي:
- التركيز على العميل customer focus بتقديم منتج متميز, بسعر منافس, واستجابة سريعة, وخدمة تفوق ما يتوقعه.
- جودة الموظفين quality of personnel
- جودة العمليات الداخلية internal business activities
- الإبتكار المستمر innovation
وعليه فإنه, في سياق التحليل المؤسسي الداخلي, وبالنظر إلى العميل على أنه المحرك الرئيس للعملية التجارية برمتها, يمكن تقسيم سلسلة العمليات والنشاطات التي تقوم بها المؤسسة إلى نوعين من النشاطات:
- نشاطات رئيسية main activities, تهتم بتصميم وتقديم المنتج أو الخدمة إلى العميل مثل ( التشغيل operations, التسويق, الاستقبال, خدمة العملاء)
- نشاطات داعمة أو مساندة support activities للنشاطات الرئيسية مثل (الإدارة العامة, إدارة الموارد البشرية, الإدارة المالية, الإدارة الفنية المسئولة عن البنية التحتية للتكنولوجيا المستخدمة في المؤسسة, الخ)
من أهم أهداف تحليل الأداء المؤسسي تحديد ومعرفة تكلفة النشاطات التي تساهم بكفاءة وفعالية في إضافة قيمة تنافسية. ففي نهاية المطاف, تكون المؤسسة رابحة profitable عندما يدفع العميل قيمة مالية أعلى من تكلفة كافة النشاطات (التي تدخل في قائمة التكاليف) المستخدمة في تقديم المنتج أو الخدمة بشكلها النهائي للعميل, الأمر الذي يمكن المؤسسة من الحصول على عائد على استثماراتها.
لذلك, فإن هذا التحليل يساعد على تقييم مستوى الأداء الحالي للمؤسسة ومستوى الأداء الممكن تحقيقه في ضوء قدراتها ومواردها
تحليل أسباب فجوة الأداء
بعد إجراء هذا التحليل من الضروري إجراء تحليل الأسباب cause analysis وذلك لمعرفة العوامل و الأسباب التي أدت إلى وجود فجوة بين الأداء الحالي والأداء الممكن تحقيقه.
فمثلا:
قد يكون”انخفاض نسبة المبيعات “عدم تحقيق الأهداف البيعية” في مؤسسة ما, ناتج عن افتقار رجال المبيعات للمهارات اللازمة “نشاط رئيسي“, وفي هذه الحالة يمكن اعتماد برنامج تدريبي يعالج جوانب قصور أداء الموظف وتنتهي المشكلة. ولكن هذه الحالة تشكل اقل من 10% من الحالات التي يمكن معالجتها بهذه الطريقة, وأن ما يزيد عن 90% من الحالات تفشل في تحقيق نتائجها لو استخدمت الحل الجزئي ” التدريب في هذه الحالة”. وقد يكون سبب قصور أداء “رجل المبيعات” في إتمام الصفقات لا يرجع إلى نقص في مهاراته أو قدرته على البيع وإنما إلى الفرق في طريقة التعامل (الاتصال) بين المدير القديم والمدير الجديد, أو لعدم اتخاذ الإدارة الإجراءات اللازمة لمجابهة منافس قوي يعطي تسهيلات ومزيا أفضل, أو قد يعود السبب لتعقيد أو بيروقراطية الإجراءات الداخلية, الخ “نشاطات داعمة“. فقط من خلال تطبيق تحليل منهجي يبحث في كل الأسباب المحتملة لقصور الأداء, يمكننا إجراء التغييرات المطلوبة لتحقيق الأهداف المنشودة.
كما ذكرنا سابقا, من أجل تطوير إستراتيجية تتسم بالكفاءة والفعالية وترسم الأهداف المنشودة ” الأداء المستهدف“, فإنه من الضروري أن يكون تقييم موارد resources المؤسسة و قدراتها capabilities بمثابة نقطة الانطلاق التي تمكنها من اتخاذ القرارات الإستراتيجية المناسبة فيما يتعلق بأدائها الحالي ومعالجة الفجوة القائمة حتى تتمكن من السير قدما لبلوغ رؤيتها.